يوميات -١٥- أطلال و قارئة النور

اليوم منذ الصباح وأنا أشعر أنه خميس ولا أعلم لماذا ، لا أحب شعور ضياع الأيام حتى لو كان شعور الخميس الونيس ربما بسبب غياب شهد لا أعلم تحديدا ً .
لم أقم بأي شيء يذكر قضيت معظم الوقت بالخمول والاستلقاء وبعض الأشغال في المطبخ وفي العصر قررنا اخراج المسبح لمقاومة حرارة الصيف ، رغم أن الماء حار إلا أن الصغيرتين تظاهرن بالتحمل بداية حتى انكسرت الشمس وأصبح الوضع ألطف ، بعد المغرب تشاجروا بسبب أن واحدة ترش الماء في وجه الأخرى والثانية ترد بالضرب أضعافاً ويبدو أن كنت أراكم الأمور منذ الصباح فانفجرت لحظتها .
يقال دائما ً أن قاضي الأطفال انتحر وفهمت أخيراً لم فعل ذلك .. حسناً تفقد أعصابك وتصرخ وتسب وتضرب وتعاقب و..و..و.. سلسلة طويلة من الأفعال الغضبى على طفلتين متخاصمتين كألد أعداء ، وبعد دقائق فقط وحين ابتعد قليلا ً تعود المياة لمجاريها و يرجعن للعب معا ً..ماذا عني أنا  القاضي المنهك الذي فصل للتو بينكم ؟! لاشيء سوى شرير يتربع على عرشه و يؤذي هذه الكائنات المسالمة بصراخه وتدخلاته ..
دائما ً أعاهد نفسي ألا أتدخل بين الأطفال خاصة طفلتّي فمشاكلهم التافهة ستحل وحدها لكني أفقد اعصابي و أتدخل ولا اجني سوى صراخ بلا فائدة و أعصاب مشدودة و عيون بريئة تنظر لي بغضب ..للمرة الألف يا أسماء ترفعي عن قضايا الأطفال .

أريد أن أكتب عن يوم السبت قبل أن أنسى و تمر الأيام فتصبح ذكرى باردة لا تستحق الذكر كان السبت الماضي يوما ً مميزا ً لي و لشهدة قلبي يوم انجاز ووقوف على الأطلال .
قبل شهر تقريبا ً وصلني إعلان افتتاح قاعة النور التابعة لمدرسة عائشة ، ياه قاعة النور أخيراً سترى النور ! و لجمال أهل القرآن وأفكارهم قرروا أن يكون المشروع الأول المقام في جنباتها يوم قرآني للبراعم من عمر ٥ سنوات وحتى ١١ سنة تحمست كثيرا ً و سارعت بتسجيل شهد كانت إحدى المزايا المغرية أن المشاركة ستحصل على بطاقة قارئة النور والتي تعني أنها أول من تلى القرآن في هذه القاعة المباركة البرنامج ممتد على ثلاثة أيام متفرقة و جميعها يوم سبت ليصادف عطلة للصغيرات ، اخترت هذا السبت الموافق الخامس من ذو القعدة .
طوال الفترة الماضية وأنا أشرح لها برنامج قارئة النور فتتحمس معي و أناديها بقارئة النور فتضحك و و تفاخر على أختها ” هنود تدرين بروح أقرأ القرآن بالمسرحية و يعطوني بطاقة قارئة النور ” أضحك وأخبرها أنه مسرح و ليس مسرحية كما تقول ، فتعيد تباهيها و تُغضِبُ أختها .
قبل اللقاء بليلة كنت أفكر في مدرسة عائشة متى آخر مرة كنت هناك ؟!
عدت بالذاكرة للوراء قبل خمس سنوات وبضعة أشهر كُنت طالبة في فصل التجويد السنة الثانية فترة مسائية من الساعة الرابعة وحتى السادسة في فصل مارية القبطية مع المعلمة الرائعة والداعمة والمشجعة لي دائما ً أ. هبة الطوري ، آنذاك كنت مكافحة كما تصفني معلمتي فكنت انهض صباحاً و اخرج لعملي ثم أعود ظهراً لبيت أهلي لأتناول الغداء و ارتاح قليلا ً ثم اخرج عصرا ً مع سائقنا لمدرسة عائشة و اذا انتهيت يوصلني السائق لشقتي لأنظف وارتب وأعد بعض الطعام قبل رجوع زوجي رغم أني غالباً ما كنت آكل لوحدي  ،المهم أذكر اني  كنت حامل مرهقة ومع هذا فضلّت إكمال السنة في عائشة قبل ولادتي لئلا انقطع وأترك كل شيء،  شهادة التجويد تلك  ستمكنني من الالتحاق بمدارس التحفيظ لحفظ القرآن أكملت السنة و ثابرت و اختبرت حتى و بشرتني معلمتي بالنجاح لكني لم استلم شهادتي حتى اللحظة ، تلقيت اتصالات كثيرة بعدها بعام لكن دائما هناك سبب ما و شاغل يشغلني فتمر الأيام واتركها ولعلهم تخلصوا منها بعد هذا الوقت .


صباح السبت كانت معضلتي الأكبر ماذا سأرتدي ؟! ربما اضطر لخلع العباءة فأريد شيئا ً مرتبا ً ، فستان العيد الأحمر أو البرتقالي يبدو مبالغة ، وقع الاختيار على تنورة سوداء لأمي وقميص وردي بأكمام منتفخة لكنه اتسخ من الكحل فاضطررت لتغييره باللحظة الأخيرة بقميص أزرق مخطط وبطلتي ارتدت فستان العيد و ذهبنا ، اعتمدت على ذاكرتي في وصف المكان لسائقنا لكنها ذاكرة لا تفقه شيئاً في الأماكن والشوارع فجأة وجدت نفسي في طريق مقطوع وفي قلبي أقول ” بسم الله وين اختفت مدرسة عائشة ” قاطع أفكاري سائقنا بقوله ” أسماء هذا مافي مدرسة هنا محطة كهربا من زمان وهذا كلو طريق قدام مافي شي ! ” استسلمت وفتحت خرائط قوقل وكانت المدرسة في الاتجاه الذي دخل فيه السائق واخبرته أن يخرج قبل أن يكمل ، هونت على نفسي وفكرت ” طبعاً راح أنسى يعني مرت خمس سنين “.
نزلنا وخطوت للداخل ممسكة بيدها و المشاعر تغمرني يالله أحمدك يارب واشكرك أن اعدتنا لدار يُتلى فيها كتابك أعدتني مع بطني المكورة بيد أنها الآن تمسك بكفي وتخطو بجانبي أوصلتها للقاعة و بقيت انتظرها في الخارج أتأمل فناء عائشة و أروقتها و ممراتها يالله عائشة أكبر صرح في المنطقة تخدم جميع الفئات كبارا وصغارا حتى الجاليات والغير ناطقات بالعربية لهن نصيب معنا فيارب اكتب أجورهم و اجزهم عنا وعن المسلمات خير الجزاء ، تشجعت و استأذنت من موظفة الاستقبال أن أصعد لأرى فصلي القديم فسمحت شريطة ألا ألتقط صورا ً ،صعدت بالدرج متمسكة بالدرابزين خطوة خطوة وكأني أرى أسماء تلهث وتقف لتلقط أنفاسها و تضع يدها على بطنها تارة و تسند ظهرها تارة أخرى مشيت في الممر وترائ لي فصل مارية القبطية ، فصلي الحبيب نظرت من زجاج الباب للداخل أتأمل مقعدي حيث كنت أجلس و انظر لمقعد المعلمة ..يالله كم ضمت هذه الغرفة من نساء وكم قُرئت فيها الآيات معلمتي هبة كانت مشجعتي الأولى رغم كثرة غيابي وحضوري أحيانا دون أن أحفظ الجزئية المحددة كاملة لكنها تشجعني رغم كل شيء و تطلب مني الاستمرار دائماً ، في السنة الأولى كنت طالبة في الدبلوم التربوي احضر صباحاً في مدرسة نسيبة بنت كعب لدرس التجويد لدى معلمتي هبة نفسها و اخرج لبيتنا لأصلي الظهر وأتناول الغداء لأعود بعدها للجامعة لحضور المحاضرات فكانت تشجعني وتدعو لي ، لعلها أهم صفة ينبغي أن تكون في المعلمة التشجيع و الفضل لله وحده أن سخرها لأجلي لذا أسأل الله أن يكرمها و يرفع درجاتها في الفردوس وأن يبارك لها في ذريتها ويبلغها فيهم .
نزلت الدرج بكم من الذكرى تجول خاطري فسألتني موظفة الاستقبال ..خلاص وقفتي على الأطلال ؟! أوميت لها وابتسمنا ومضيت ..صدقت والله أطلال و لعلها أعز طلل لدي .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s