عن عزيز

كان أسبوعاً حافلا ً ومتعبا ً نوعاً ما وقليل من الزكام والكحة هنا وهناك ، منذ بداية الأسبوع و نحن نخطط لدعوة الجيران لبيتنا و كيف يكون لقاء خفيفاً بلا تكليف كما تصرّ الجارات على أمي حين اتصلت بهن تدعوهن لبيتنا و استقر القرار أخيرا ً على تمر سكري فاخر مع القهوة و صينية فطائر مشكلة مع الشاي و مكسرات و للتحلية جح بارد مقطع مكعبات في كاسات بلاستك ومغلف .
كان المدعوات قرابة العشرة نسوة أو احدى عشر واعتذر النصف بظروفهن و حضر البقية ورغم قلة العدد إلا أنها كانت جمعة حلوة و خفيفة على القلب .
إحدى جاراتنا دكتورة جامعية متقاعدة قبل بضع سنوات تصرّ على مناداتها بأم محمد  فقط عوضاً عن تمييزها عن البقية بقولنا دكتورة .
كانت حكاية أم محمد وابنها عزيز هي الغالب في اجتماعنا القصير ذاك ، حسنا ً رغم الجيرة إلا أن كلا منا لديه ما يشغله لذا كانت آخر مرة التقينا في بيتنا قبل كورونا بسنة ربما .. أتذكر جارتنا أم بشار في زاوية المجلس تلاعب هند وتمتدح فستانها الوردي ثم تعيدها أمي للمشاية ، لم تكن هنده تمشي بعد !! يالله سنوات مرت فعلا ً ،
آنذاك لم تكن تتحدث أم محمد عن ابنها عزيز و مرضه لم أكن أعلم حتى البارحة أنه ذاك الشاب الذي كنت آراه في الشارع المقابل على كرسي متحرك بقدم مكسورة ، ظل فترة طويلة آراه بين حين وآخر حتى بعدما فكت الجبيرة و أجهل الحكاية و المعاناة ، رأيته في أول سنوات سكننا في هذا البيت ثم اختفى عزيز ولم أتسائل ولو لمرة أين اختفى ذاك الفتى ؟!
تحكي أمه و تتجمع الدموع بعينها وتتمالك نفسها وتكمل حديثها ..تحكي أوجاع ابنها وتدرج المرض وكيف فقد نفسه تدريجيا ً قدرة المشي ثم الحركة ثم التنفس فالكلام  و مؤخراً فقد بصره تقول أنها كادت أن تجن لولا رحمة الله ، تكاد تبكي تبلع ريقها وتكمل أنها كانت تراه يحتمل لأنه يرى جوال و أجهزه ويتواصل مع ما تبقى من عالم حوله ثم فجأة لاشيء ! تقول أنها تفهم ما يريد من كلامه الذي لم يعد يفهمه أحد على ما يبدو لدرجة يظن الدكتور أنها تقرأ الشفاة أو شيء ما لكنه لا يفهم معنى أن تكون أم أن يكون الألم مضاعف على قلبها مرة لأنه يتألم والآخرى لأنها عاجزة عن مساعدته ولا تملك من الأمر شيء ، أراها تحكي و تعود فتحمد الله وتطلبه ألا يحرم مريضها الأجر والصبر .
منذ البارحة وفي كل سكون وسهوات أتذكر ابن جيراننا و أفكر في عزيز الفتى مخاوفه وآماله وخططه التي كان قد رسمها في عز شبابه ثم رأها تتلاشى و تذوب بين يديه كيف تراه يشعر وماذا عساه يتمنى ؟!
العافية ولا شيء سواها ، حتى في أدنى الوعكات الصحية تتضاءل الملذات و تغلب رغبة العافية فإذا تعافينا نسينا و أسرفنا في الأماني ، العافية لا شيء من كنوز هذه الدنيا الفانية يعدلها، العافية التي علمنا رسولنا الحبيب أن نطلبها من الله في كل حين .

  ورد حديث عن العباس حينما قال :
” قلتُ يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أسألُهُ اللَّهَ قال سلِ اللَّهَ العافِيةَ، فمَكثتُ أيَّامًا ثمَّ جئتُ فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أسألُهُ اللَّهَ، فقالَ لي: يا عبَّاسُ يا عمَّ رسولِ اللَّهِ سلِ اللَّهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ “

إنها لنعمة عظيمة أسأل الله ألا يحرمناها ووالدينا وذرياتنا ومن نحب .
أما جارنا المكافح عزيز فأسأل الله بمنه وكرمه أن يحيي جسده ويبث فيه العافية و أن يمتعه ووالديه بالصحة والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة و أن يرزقه الرضا و الصبر و القوة و التحمل و أن يجبر خاطره ويؤنسه بطاعته  و يكتب له من الأجور أضعافاً مضاعفه و أن يثقل ميزانه ويرزقه الدرجات العليا من الجنة ووالدته يارب و ابن عمي ومرضانا ومرضى المسلمين اللهم آمين .

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s