يوميات -١٤- ربما عن أخي ❤

اليوم كنا على موعد مع عاملة التنظيف و رجوت أختي ان تتكفل عناء توجيهها و مراقبة جودة عملها لأني أريد أخذ كفايتي من النوم مع الصغيرتين خاصة وأني لم أعد أحضى بأي قيلولة عصرية منذ أن سافرت أمي الحبيبة لأخوالي _ إنه نبأ يستحق الاحتفال حقيقة و نحمد الله على التيسير و أرجوه سبحانه أن يحفظها و تعود لنا بالسلامة _استيقظنا قرابة العاشرة وفي بالي فكرة واحدة ” ماراح أطبخ غدا بقولهم يطلبون من برا ” بعد قرابة نصف ساعة نزلنا و تركتهم يشاهدوا رسوم الكرتون ودخلت للمطبخ أفكر بافطار محترم لي و شيء خفيف للصغيرات إذ لا يشتهون شيئاً فور استيقاظهم وعندما حان دوري واعددي لي كوبا ً ساخنا ً من الشاي بالحليب وبعض الخبز و اختيارات مفتوحة من القيمر والمربى واللبة والعسل ..لم اشتهي كثيراً و انشغلت أقلب الجوال وأرد على المحادثات ، كانت فكرة الغدا من مطعم تسيطر علي لكني محتارة ماذا عسانا نطلب ويرضي جميع الأذواق !! وبينما كنت كذلك دخل أخي و ألقى السلام ، تفاجئت من رؤيته لأن يعمل بشفت ليلي وبالتالي فهو ينام طيلة النهار ويخرج ليلا ً ولا نراه إلا مصادفات قليلة ..تحدثنا قليلاً ومازح الصغيرتين ثم همّ بالخروج وكأنه تذكر شيئا ً فعاد ليسأل بوجهه المنهك بكل براءة : ” أسماء ايش الغدا اليوم ؟! “
رددت فورا ً : ايش تشتهي بعدني ما فكرت ، و جاهدت لأحبس فكرة المطعم لئلا تفلت مني فأخي المسكين هذا يتناول وجبته يوميا ًمن المطعم و هي غدا وعشاء معاً و لا يفطر غالبا ً أو يأخذ قهوة أو اي مشروب يحصل عليه من الكوفيهات القريبة من عمله ، فسؤاله يعني أنه لا يرغب بأي شي من برا و سيرضى بالمقابل بأي شي من البيت .
– شرايك سباغيتي ؟
– أي شيء ما يهم لأني دايخ جدا ً ودي آكل و أنام عشان ألحق أرتاح قبل الدوام .
– تبشر باذن الله متى طيب .
– حدي إلى الساعة وحدة .
كانت الساعة الحادية عشر والربع و تغيرت خطة المطعم إلى  اعداد غداء سباغيتي لي و لاخوتي وبعض الأرز لوالدي وصغيراتي .
اخرجت بعض الدجاج المجمد ورميته في الماء و ذهبت أبحث عن السباغيتي و نقعت الرز و شرعت أعمل بأسرع مالدي .
لِم لم أخبره بأني لا أنوي دخول المطبخ ؟ شعرت بالأسى و ” كسر خاطري ” التعب يعلو وجهه منذ أن طلب النقل لمقر عمله البعيد وهو خائر القوى ، ثم أننا لم نتحدث منذ الأزل وعندنا تحدثنا اليوم شاركني بعض أسراره فكيف أتجاهل سؤاله ، إنه أخي المفضل و الأقرب لقلبي .. صديق الصبا و مخططات الطفولة .
يصغرني بسنتين وبضعة أشهر في طفولتنا كنت أحكي له الحكايا والقصص قبل النوم يتسلل إلى سريري و أقص له كل القصص و أصوغ النهاية التي نريدها عندما كبرنا نهتنا أمي عن ذلك ولم نستجب حتى ذكرت لنا حديث الرسول عن التفريق بين الصبية في المضاجع فلم نمانع و فكرنا بحل أفضل لا يغضب والدتي كل يوم قبل النوم ندفع سريره ناحية سريري و تظل حواجز الأسرة بيننا نتحدث و نضحك كثيرا ً حتى ننام ،وعندما كبرنا و صار في غرفة الأولاد مع أخي صارت أسرتنا مقابلة لبعضها يفصل بيننا الممر ، نظل نأشر ونلوح لبعضنا ونتحدث بصوت عالي حتى نسمع صراخ وتهزيء من أحد والدينا لندفن رؤسنا في المخدة وننام فورا من الخوف . وبقدر حبي له مرّت كثير من اللحظات التي قلت له فيها ” ياليتك بنت ما أبغى أخو أصغر مني أبغى أخت صغيرة ” فيغضب ويشكيني عند والدتي لتعاتبني بدورها وتمتدحه بكلمتين جبراً لخاطره ، كنت طفلة تحب اللعب بالدمى والعرائس و عليه فهو وأخي الأصغر يشعرون بالملل حين انشغل عنهم بعالم باربي الخيالي و الفساتين الملونة والبيت البلاستيكي ذو الثلاث طوابق فيشكوني لوالدتي فتتوسط عندي لهم لأسمح لهم بمشاركتي اللعب بالدمى واسمح بعد تهديد ووعيد ألا يصيب عروساتي أي ضرر و ألا تخلع ايديهم ورؤوسهم ..يلعبون قليلا ً ثم يداهمهم الضجر فيرمونها بوجهي ويخرجون للعب الكرة .
يتذكر أخي اني في فترات طفولتنا كنت ارسم جدولاً للصلاة و اشجعه بوضع علامة صح عند كل فرض يصليه لأكافئه في النهاية على التزامه ولا أذكر هذا أبدا ً لكنه يتذكر و يشكرني على مساعدته آنذاك، ما أتذكره أني عندما بدأت أصلي كنت إمامة له و بما أنه ولد فأطبق إمامة الرجال فأتقدمه وأدعه يصلي خلفي ، لم أكن أعلم أن الاثنين يصليان متجاورين إلا متأخرا ً وعندما بلغ السابعة اقترحت أمي أن أصلي خلفه لأنه لا يصح أن تكون بنت إمامه لولد !! فرفضت أشد الرفض لأنه على حد قولي ” يخربط ” وما حافظ السور فصرنا نصلي متجاورين بلا جماعة تجمعنا و قد نتسابق للانتهاء أولا ً دون قصد منا .
أما في مرحلة المتوسطة والثانوية صار علاقتي فيه علاقة المعلمة فصرت أدرّسه غالباً أيام الاختبارات لأن عداها ليس له استعداد للاستماع ومن جهتي لا أريد تضييع وقتي الثمين فأدرّسه  الانجليزي والرياضيات والأدب وأحياناً أقوم بتحفيظه القصائد لازال يتذكر عدة أبيات من قصيدة حفظناها سويا ً.

“وليل كموج البحر أرخى سدوله
علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطّى بصُلبه
وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبح وما الإصباح منك بأمثل “

امرؤ القيس



عندما التحقت في الجامعة كان لا يزال في الثانوية و انشغل كلانا بعالمه الخاص نتحدث و نضحك في الويكند ربما و ينجح باضحاكي كل مره ، هل كان ظريفا ً لهذا الحد أم انا خفيفة جدا ً تضحكني أتفه الاشياء ؟! لا أعلم لكن الآن مثلا ً صرت أتحاشا أن أحكي له شيئا ً مضحكا ً لأنه يتفاعل بكل ثقل وبرود و يقتل المتعة والسالفة معاً و قد ينشغل بتفاصيل سخيفه و تحقيقات لا فائدة لها أو قد يعلق بسؤال عن التكملة ” وبعدين ؟” بعدين توكل على الله وخلنا فاطسين ضحك لا تخرب علينا يرحم والديك .
السنة الثالثة في الجامعة كان قد تخرج ولم ينقبل في أي جامعة قريبة و مكث سنة عاطل و متفرغ لقضاء مشاوير البيت فتنازل أبي عن مشاوير الجامعة له ، وهنا عدنا لنحكي في مشوار الصباح وفي الظهر غالباً صامتين و قد يعزمني على مشروب بارد ينعشنا قليلاً .
كنت آخذ فطوري من البيت و بعض الريالات للمشروبات و غالبا ً أنساها ولا أتذكر افلاسي من الكاش إلا حين النزول فيعطيني من جيبه ويعلّق ” أحس اني صرت أبو لأني اعطيك مصروف “.
في تلك الفترة كنت أحب الاستماع لبرنامج الإذاعة الصباحي ( بك أصبحنا ) وخاصة فقرتهم الأخيرة في ظلال السيرة كنت اندمج لأقصى درجة واذكر أننا مرة وصلنا للجامعة ولم تنتهي الفقرة و عندما ابديت تحسري على وصولنا أخبرني انه لا بأس من بقائي لنهايتها لأنه ليس مستعجلا ً وسينتظرني و بالفعل بقينا حتى النهاية .
هذا الأخ الذي يسمح له دون البقية بالاطلاع على مذكراتي الخاصة وهو الوحيد الذي يؤمن بها واذكر مرة كنت أكتب و منشغلة وطلبت مني أمي جمع الأوراق والجرائد وهو منشغل بشيء آخر فطلبت منه أن يقوم بمهمتي فرفض إلى أن أخبرته أنه حينما يقوم بذلك فسأكتب عنه في دفتري وسيتذكره التاريخ إلى الأبد فنهض مسرعا ً بابتسامة كبيرة أتذكر العبارة العبيطة التي كتبتها ( أراح نطلع من الفندق بعد شوي وأمي قالت لي أشيل الجرايد بس أنا مشغولة أكتب لكم وقلت لمحمد شرايك تشيلهم عني وأكتب انك شلتهم و قام شالهم وهأنذا أكتب عنه ) هكذا فقط بكل نكران و جحود أين الشكر والعرفان و أين ما سيتذكره الأجيال  !!؟
الله أعلم .
هذا ما يسعني ذكره حالياً عن بطلي المغوار وأخي المفضل عزوتي و عضيدي محمد عسى الله أن يحفظه ويبارك له في عمره وعمله وأن يرزقه عروسة حلوة تناسبه و أن يمن عليهم بذرية طيبة رائعة كروعة عمتهم  الكاتبة .
تصبح على خير ..
أسماء

هامش :
وأنا اكتب شاش راسي ورحت اسمع شيلة هو عزوتي و راس مالي
‏”
هو عزوتي وراس مالي     مهما تجور الليالي
                 ياعزوتي وتاج راسي
أخوي ونعم الأخوه       يشد عضدي بقوه
                 ياعزوتي وتاج راسي

يا عزوتي وراس مالي❤

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s